بـقـلـم : بن بطوش
انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي نداء لرئيس إحدى البلديات في العاصمة الكندية، أبلغ فيه ساكنة أحد أحياء تلك المدينة أنه و بسبب الأشغال سيتم الوقف المؤقت لتزويد الحي بالماء الصالح للشرب لمدة تصل إلى الخمس ساعات، و أرفق ندائه بصورة لقنينات المياه المعدنية التي وضعتها بلدية العاصمة الكندية أمام المنازل بالحي قبل قطع المياه عنه، و من خلال الصورة يظهر أن أمام كل منزل وضعت دزينة من قنينات المياه المعدنية ذات الحجم المتوسط بكل عناية، و قد تم تغليفها حتى لا تتأثر بأشعة الشمس و تحافظ على نقاوة المياه داخل القنينات البلاستيكية التي تستجيب لمعايير الحفاظ على البيئة و إمكانيات تدويرها...
سلوك بلدية العاصمة الكندية في المجتمع الأمامي للعالم ليس بغريب، لكنه يدفعنا للتساؤل عن الوضع داخل المخيمات حيث أهالينا، و نحن نعيش موجة حر تلخص لنا الوضع الذي سيكون عليه صيف هذه السنة، و الذي يصادف هذه السنة استمرار حرب الأقصاف الفيسبوكية، و التي تستأثر بكل مقدرات الدولة الصحراوية بما فيها صهاريج المياه الملوثة بالصدئ التي يشرب منها أهالينا في أرض اللجوء، صيف تصبح فيه المياه مادة ناذرة الوصول إلى المواطن اليائس في شعاب لحمادة التي لا تصلح لعيش الوحوش،... و لن يزايد علي أحد بالقول أن الإنسان الصحراوي اللاجئ تمكن من التأقلم مع بؤسها و قسوتها... !!، و نتساءل ثانية ماذا أعدت هذه القيادة التي تنهب ليلا و نهارا خزينة المواطن من الزيوت و الحليب و المعلبات و القطاني... لتبيعهم في أسواق مالي و موريتانيا بثمن بخس تنفقه على طغمة فاسدة يحملون ظلما لقب مناضل القضية الصحراوية؟
نحن نعلم أن القيادة ليست بإنسانية سياسيي و مدبري بلدية العاصمة الكندية، و لكننا - هذه المرة- نحاول تذكيرهم بأن الصيف الذي يطرق الأبواب سيكون حارقا على المواطن الصحراوي المسحوق، لأنه لن يعاني فقط حرارة الصيف، بل سيعاني من لهيب الأسعار و تربص الأوبئة، و جرأة القيادة أكثر على مصادر عيشه، بعدما أيقنوا أن المحتل المغربي أحكم السيطرة على ملف القضية دوليا، و يوشك أن يوقعها بالقاضية في أكتوبر المقبل...، فلنتذكر جميعنا هذا الموعد.. !!؟
و بعيدا عن جنة كندا و جحيم لحمادجة، فقد جاء في بيان للرئاسة الجزائرية نشر يوم الثلاثاء 14 يونيو، بأن رئيس الجمهورية "عبد المجيد تبون" قرر إعفاء وزير المالية "عبد الرحمان راوية" من مهامه بعد شهور فقط من تعيينه، وتكليف الأمين العام للوازرة بتسييرها بالنيابة،... لكن البيان لم يكشف فيه عن أسباب الإعفاء، مما جعل المتابعين للشأن الجزائري و الصحف الأوروبية تربط بين هذا القرار و إعلان جمعية البنوك الجزائرية وقف التعاملات التجارية مع إسبانيا، و ما ترتب عنه من ردة فعل إسبانية و أوروبية قوية تجاه قصر المرادية، تحولت إلى أزمة بين مدريد و الجزائر و بروكسيل.
شح المعطيات و غياب تفسيرات مقنعة بالإعلام الجزائري، فرض علينا البحث عن التسريبات التي توفرها حسابات النشطاء الجزائريين، و كذا و بعض الحسابات الأجنبية التي تشير معالجتها للأحداث و قيمة المعطيات التي توفرها، إلى أنها حسابات يجري تطعيمها من طرف دوائر سياسية أوروبية هدفها رفع الغموض عن المواقف...، و التي تنهل منها الصحافة الأوروبية، إذ قالت هذه الحسابات أن الرئيس "عبد المجيد تبون" أراق ماء وجه الحكومة الجزائرية إرضاءا لغرور الدولة العميقة في إسبانيا، و خوفا من ردة الفعل الأوروبية التي أبداها "جوزيب بوريل"، حين هدد بأن بروكسيل ستتخذ إجراءات صارمة ضد الجزائر التي قررت تعطيل التبادل التجاري و التنصل من التزاماتها الدولية مع دولة عضو في الإتحاد الأوروبي.
هنا نفتح مجال الرؤيا ليصبح أشمل و أوسع و نترك قليلا ردة فعل الإتحاد الأوروبي و قرار الإقالة المهين للدبلوماسية الجزائرية، و ندخل في نقاش شمولي حول هذه الأزمة، و كيف فشل "رمطان لعمامرة" في إقناع الدول العربية للتكتل وراء الجزائر و هي تواجه إسبانيا و غطرسة الإتحاد الأوروبي، و رفض الجامعة العربية - حتى الآن- عقد قمة مستعجلة مثل تلك التي عقدت إبّان الأزمة بين الرباط و مدريد، ثم يحق لنا أن نزيد من توسيع النقاش لنتساءل عن السبب الذي جعل الإتحاد الأوروبي خلال الأزمة بين الرباط و مدريد يتخذ موقعا محايدا، و يقول أن الأزمة بين جارين و هي تنائية و يجب حلها بالحوار؟
و في الأزمة مع الجزائر قال الإتحاد الأوروبي أن بروكسيل تدعم مدريد و تدرس كل سبل الرد على الجزائر...، أين أوجه الاختلاف أم أن الأمر يتعلق بالتحالفات و التأثير؟ خصوصا و أن الرباط واجهت اسبانيا بذكاء الدبلوماسي و دهاء السياسي و شطارة اقتصادية، و وجدت الدعم داخل أوروبا فانقسم اتحادها على نفسه خلال تلك الأزمة، فحصلت على السند من باريس و برلين و أمستردام و لندن...، و حتى من خارج أوروبا حين وصفت موسكو الثغرين سبتة و مليلية بالأراضي المحتلة، و أبدت تركيا و إسرائيل مواقف داعمة للرباط...، لكن الجزائر لم تجد - إلى الآن- هذا الدعم حتى من روما التي قال "تبون" تغزلا فيها بأن الأصدقاء هم الذين لا يتبدلون و لا يخونون.
بل الأكثر من ذلك أن الإتحاد الأوروبي مرر رسائل إلى الحليف الجزائري الذي طالب عبر وساطة إيطالية من بروكسيل دعمه للحصول على مقعد داخل مجلس الأمن، و أن هذا الإتحاد الأوروبي يريد معاقبة الجزائر بمنعه من الوصول إلى المقعد، و لخصت وزيرة المالية الإسبانية "ناديا كالفينو" هذا العقاب في شيطنة الجزائر، و توريطها بوضعها في خندق العدو المهدد للديمقراطية و المصالح الأوروبية و حقوق الإنسان، و إظهار الجزائر كذلك البلد الذي يسعى للإضرار بالقضايا المصيرية لدول الإتحاد العجوز، حين قالت: " بأن الجزائر تنحاز بشكل متزايد لموسكو، و أنها لاحظت تقاربا متزايدا بين البلدين خلال اجتماع الربيع لصندوق النقد الدولي"،.... و هذا التصريح هو بغاية الخطورة و يعقب الزيارة التي قام بها "مادورو" إلى الجزائر، و أيضا إرسال قصر المرادية للجنة برلمانية من أجل إعادة فتح ملف الصداقة مع كوريا الشمالية.
نعود إلى خبر الإقالة لنقول بأن القياس على الأزمة السابقة بين مدريد و الرباط، و الذي سعت حكومة مدريد إلى إنهائها بسرعة بسبب الضغط المتزايد على الدولة الإسبانية، و الحصار الذي قامت به الرباط للمصالح الإسبانية بدون قطعه للعلاقات الاقتصادية، كما بينت النشرة المالية للعلاقات بين إسبانيا و شمال إفريقيا و التي بثها التلفزيون الإسباني الرسمي لإقناع الإسبان، و لتبرير أن العلاقات مع الرباط أنفع لمدريد من العلاقات مع الجزائر، حيث كان الطبيعي أن يعمد "سانشييز" إلى إقالة أحد دبلوماسييه أو وزرائه لمراضاة الجزائر، لكن العكس هو الذي حصل و جرى تضحية قصر المرادية بوزير المالية و إظهار قرار قطع العلاقات الاقتصادية كخطأ فردي لمسؤول جزائري، كان يعمل قبل تحمله مسؤولية الوزارة كخبير في البنك الدولي، و يعي خطورة ذلك القرار الذي لا يمكن إتخاذه بشكل عشوائي و فردي و يعلم أنه لا يمكن التجرؤ على قرار سيادي بهذا الحجم دون ضوء أخضر من قصر المرادية، لكن تم التضحية به من أجل إسكات الإتحاد الأوروبي و ترك الأزمة في حجمها الطبيعي، ليتبين بالملموس أن الجزائر خضعت و آمنت بأن قطع رقبة مسؤول سياسي بدرجة وزير أهون ألف مرة من قطع الغاز على الإسبان.