بقلم: القطامي
البيان الأخير للأمانة الوطنية الذي صدر بتاريخ 13 يناير 2021، تتويجا لاجتماعاتها طيلة ثلاثة أيام (11-12-13) في إطار دورتها الثالثة العادية، يؤكد –من جديد- بالملموس بأن القيادة مجرد ظاهرة صوتية ليس إلا، لا تمتلك إستراتيجية لرفع التحديات التي فرضتها التطورات الأخيرة على القضية الوطنية، و أن أقسى ما تستطيعه هو كتابة بيان يعتمد على المحسنات البلاغية من إطناب و حشو و اقتباس و مدح و فخر و حماسة واعتراض و احتراس وتكميل و تكرير في الكلام للتغطية على الفشل، و ينطبق عليها المثل الحساني "كارد خط ولد الفزفاز" (الذي يضرب لمن لا هدف له)؛ بحيث جاء مضمون البيان ضعيفا، و أقسى ما كتب هو التأسف على تقاعس الأمم المتحدة و مجلس الأمن، و التنديد بإعلان الرئيس الأمريكي "ترامب"، و استنكار الزيارة التي قام بها مؤخرا مساعد وزير الخارجية الامريكي لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للمدن المحتلة من الصحراء الغربية، و دعوة فرنسا من أجل الكف عن دعمها للمحتل المغربي، و تذكير اسبانيا بمسؤولياتها التاريخية و القانونية والأخلاقية إزاء الصحراء الغربية وشعبها.
فلا شك أن خير الكلام ما قل ودل ولا شك أيضا بأن كثرة الكلام ينسي بعضه بعضا؛ ففي سياق يدعو إلى الدهشة جاء في البيان بأن الأمانة الوطنية سجلت بارتياح كبير عزلة موقف الرئيس "ترامب" وظهوره كصوت نشاز ضمن جملة المواقف الايجابية والمتقدمة، و المفروض أن كلمة "ارتياح" هي النشاز بعينه في هذا البيان بما أن الواقع يكذب ما كتب و يؤكد بأن المسألة لا تتعلق بموقف أو مجرد تغريدة على تويتر لـ "ترامب"، بل إعلان رئاسي تم تضمينه في السجل الفيدرالي للولايات المتحدة و بالتالي أصبح ملزما لكل رؤساء البلاد القادمين ما لم تحدث معجزة ليقوم الرئيس القادم باتخاذ الإجراءات و المساطر القانونية لإلغائه، و هنا افتح قوس لأذكر قيادتنا العتيدة بالتضخيم الإعلامي الذي افتعلته حول الصورة التي التقطت للرئيس الصحراوي الراحل "محمد عيد العزيز" مع الرئيس الأمريكي "اوباما" بجنوب إفريقيا، مع أنها كانت مجرد مصافحة أثناء مراسيم جنازة الأسطورة "نيلسون مانديلا". ... و من غرائب الصدف أن يحدث الأمران في نفس اليوم من السنة الميلادية، مع فارق سبع سنوات؛ فالصورة التي جمعت بين "اوباما" و "محمد عبد العزيز" التقطت يوم 10 ديسمبر 2013، و إعلان الرئيس "ترامب" جاء يوم 10 ديسمبر 2020.
و تزداد ضحالة بيان القيادة عندما يقول بأن قرار "ترامب" بخصوص الصحراء الغربية قد لقي معارضة من طرف أعضاء مجلس الأمن الدولي في جلسته ليوم 21 ديسمبر 2020، و من الأمانة العامة للأمم المتحدة و الاتحاد الإفريقي و الاتحاد الأوروبي و جمهورية روسيا الفيدرالية و المملكة المتحدة و اسبانيا وغيرها من الدول والمنظمات والأحزاب وهيئات المجتمع المدني والشخصيات المرموقة عبر العالم، فهذا العته ينطبق عليه المثل الحساني "طير يا عود" ، لأننا لم نسمع أو نقرأ عن معارضة حقيقية للقرار الأمريكي؛ فلا مجلس الأمن و لا الاتحاد الأوروبي و لا الإفريقي و لا اسبانيا عبروا عن مواقف رسمية و مؤسساتية في الموضوع، و كل ما كان هو مجرد آراء متناثرة لأعضاء هنا و هناك غير ملزمة للهيئات التي ينتمون إليها، أما روسيا الاتحادية فكان ردها من الدرجة الثالثة بحيث جاء من نائب وزير خارجيتها فقط لتسجيل موقف فقط دون أن يكون للرد تبعات أخرى أو أي تحرك دبلوماسي أو سياسي ... فالعبرة بمدى تأثير هذه المواقف على القرار الأمريكي و ليس بكم التصريحات.
بيان كما يظهر من فحواه و شكله أنه خروج عن النص الذي تفرضه المرحلة، بيان من زمن غير زماننا، يفضح انفصاما سياسيا لدى القيادة الصحراوية، و يجعلها تعيش التيه و الفراغ بدل الرقي بفكرها نحو طرح الواقع للشعب ليكون أكثر استعدادا، لدرجة أنها أصبحت تكذب و تصدق كذبها و ترى في نكساتها انتصارات للقضية و الدليل تثمينها نتائج مداولات القمة الاستثنائية الـ 14 للاتحاد الإفريقي، مع أن الجميع يعرف بأن هذه القمة لم تخرج بقرار صريح يدعم قضيتنا الوطنية و تم الاكتفاء بتجديد الموقف المتخذ خلال قمة نواكشوط الذي حصر الخوض في القضية على الأمم المتحدة.
بطبيعة الحال لم تغفل القيادة في بيانها الإشادة و التنويه مطولا و بكل اعتزاز وامتنان للجزائر الشقيقة، رئاسة و حكومة وشعبا على الموقف المبدئي الراسخ والثابت في دعم كفاح الشعب الصحراوي، و ثمنت كذلك علاقات الأخوة وحسن الجوار القائمة بين الجمهورية الصحراوية والجمهورية الإسلامية الموريتانية معربة عن تطلعها إلى تعزيزها وتوطيدها بما يخدم المصلحة المشتركة للبلدين والشعبين ، ... و هنا أتساءل لماذا تم إغفال الجيش الجزائري من التنويه مع العلم أنه قياداته هم الأكثر دعما و ارتباطا بقضيتنا و الأكثر ثباتا على الموقف عبر التاريخ، أما الشعب الجزائري فلا يمكن التعويل عليه مستقبلا.
بيان يظهر من فحواه و شكله أن توليفته اللغوية أعدها –كما هي العادة- القيادي "خطري أدوه"، الذي مازال يكتب بأسلوب إنشائي أكثر من اعتماده على لغة سياسية صريحة، و على سبيل المثال لا الحصر اذكر بعض العبارات التي تضمنها البيان و التي تبين بأن القيادة ما زالت تعيش في زمن الأفلام العربية بالأبيض و الأسود؛ فمثلا عبارات "أشادت الأمانة الوطنية أيما إشادة" (عبارة تصلح لدرس في التوكيد) ... "بكل إقدام وبسالة" (كلمة شجاعة كانت كافية)...." ملقنين جنود الاحتلال دروسا ناصعة أخرى" (يصلح لإشهار مسحوق الغسيل) ....." معين الكرامة والبذل والصبر الذي لا ينضب" (مصطلح "معين" لا يفهمه جيل الفايسبوك و الوتساب)... "هي التي تضمن تناغم كل نوتات الفعل الوطني وتكاملها في إطار معزوفة التحرير الشاملة" (هذه لغة الموسيقيين لا الثوار).
و بغض النظر عن اللغة الأدبية التي كتب بها البيان ، فهناك أمور تم ذكرها لا وجود لها على ارض الواقع، كمسألة أن الجيش الشعبي الصحراوي لقن دروسا ناصعة أخرى لجيش الاحتلال المغربي... أتساءل أين هي هذه الدروس؛ فهل حرر جيشنا شبرا واحدا من الأراضي المحتلة مثلا أو قتل و أسر جنود الاحتلال؟ ثم ما محل العبارة التي جاءت في البيان التي تقول بأن" الأمانة الوطنية أشادت بقوة رجع الصدى المجلجل الذي قامت به جماهير شعبنا الأبية في مختلف المدن دعما ومساندة لمقاتلي جيش التحرير الشعبي الصحراوي" .... فإما أنني لا أعيش في الأرض المحتلة و إما أن القيادة تتحدث عن مدن محتلة توجد في مكان غير وطننا، فعلى من تكذبون فالانتفاضة قتلها مرتزقة النضال قبل أن يقتلها الاحتلال المغربي.