بـقـلـم حـسـام الـصـحـراء
من أعنف العبارات التي قرأتها مؤخرا و تركت في قلبي أثرها الكبير أنه في أحد الأحياء الفقيرة تم إلغاء توزيع وجبة الإفطار بسبب عطل في الكاميرا..، أحزنتني كثيرا هذه العبارة لأن تقاطع السياسة مع الإنسانية غالبا ما يترك نذوبا اجتماعية يصعب إصلاحها، و تكون قسوة أثارها تتجاوز حدود الأخطاء المقبولة، و هذا تماما ما يقع للشعب الصحراوي الغارق في مستنقع ما يجري، فالجميع أصبح يبحث عن مكان يوصله إلى منافع القضية و الكل يتسابق على الأحداث للالتقاط موقف معها، و تسجيل رأي، و الكل يدير ظهره لنا بمجرد أن ينتهي موسم جني المنافع، و هذا يحدث في غياب تام للقيادة التي لم تعد تقوى حتى على تحرير برقيات شجب و استنكار، و كأنها آمنت بأن القضية لم تعد تلك الودود الولود، و أنها دخلت "سن الضهي" (بداية "سن اليأس").
و لأن القيادة تبرع في اقتراف الذنوب الدبلوماسية و السياسية، فقد كان القياس يقتضي أن تقوم كتابة السيد رئيس الدولة الصحراوية بإصدار بيان جوابي أو مراسلة إلى السيد الأمين العام الأممي، كي تنتقد ما جاء في تقريره من حيف في حق القضية و مدح للعدو، و أن لا تترك الأمر يمر دون جواب قوي، و أن لا تترك لوزير حرية الارتجال أو لحركة فضاءا للظهور أمام المنتظم الأممي كبديل عن قادتنا بالرابوني ، لأننا لا زلنا في مرحلة القضية و لم نصل بعد إلى مرحلة الدولة الكاملة السيادة، و لا نمتلك أحزابا سياسية تملئ الفراغ، و ظهور أي مخاطب غير رسمي أمام الأمين العام يضرب في مصداقية التمثيلية الرسمية و التاريخية للشعب الصحراوي، و بالتالي فإن المحتل سيكون أمام فرصة ذهبية لقتل نخب القضية و تقديم بدائل من الصحراء المحتلة كما فعل في قضية الثروات مع لجنة المصائد بالإتحاد الأوروبي.
و لا أزال أكررها بأن قيادتنا ترتكب المعاصي الدبلوماسية، لأن ما حدث في اجتماع لجنة المصائد بالإتحاد الأوروبي دون شك سيكتب بشأنه التقارير و سترفع إلى الأمم المتحدة، و أن الإتحاد الأوروبي له مصداقية كبيرة لدى المنظمة الأممية، و أضيف على هذا بأن المنتخبين الذين دفع بهم العدو المغربي للحديث عن تجديد اتفاقية الصيد البحري و تجميلهم للحياة بالأراضي المحتلة يقابله تقارير مظلمة عن الوضع بالمخيمات، و هذا قد يجر على القضية ضغوطات دولية للقبول بخيارات العدو، في ظل استمرار ضعف لوبي البترو دولار الجزائري و أيضا بسبب انشغال قصر المرادية بتنظيف الساحة السياسية قبيل الموعد الانتخابي الرئاسي القادم.
لهذا فإن قضية النخب الممثلة للشعب الصحراوي أصبحت الفقرة الأضعف في ظهر القضية، و نحن نسير نحو مرحلة فوضى التمثيليات، و قد نبلغ مرحلة الميلشيات الدبلوماسية، بمعنى أنه قد تظهر فئات تمثل القضية بقوة الوجود دون أن يفوضها أحد، و دون أن تحاسب على خطواتها، و هذه المرحلة التي نحن على مشارفها تدل على أن صفنا الداخلي متصدع بشكل يصعب إصلاحه، و أن أحد أسباب هذا التصدع يعود إلى شعارات الرئيس الذي حاول نزع مسامير "التهنتيت" من مائدة القضية فعجز في ذلك بعدما عرف أن المسامير أهم من خشب المائدة، بل إن انتزاعها قد يتسبب في تشضي المائدة و انكسارها .
نعود إلى تقرير الأمين العام "غوتيريس"، حتى نشرح للمرة الألف، أن الرجل مدين لمحور الرباط – باريس – دبي – الرياض، بعد أن دعموه و نصبوه أمينا عاما للأمم المتحدة، و الجميع يعرف القصة، هذا المحور الذي يمتلك لوبي في كل مكتب داخل سفارات العالم بأمريكا، و يسيطر على بورصة نيويورك، و يسيطر على أعضاء الكونغرس الأمريكي، و يسيطر على التصويت داخل مجلس الأمن و يسيطر على قيمة الدولار و الذهب و الماس بالعالم، و يسيطر على الإعلام الأمريكي.
و على القيادة أن لا تنتظر من الرجل أن يأتي بتقرير غير الذي سمعناه، و من العيب أن نستمر في قول نفس الكلام عن الثروات و عن مراقبة حقوق الإنسان في زمن هذا الأمين العام الأممي، و كأن قيادتنا لم تفهم بعد دروس دبلوماسية التأثير التي يقودها الاقتصاد، فحين كان البترول و الغاز سيدان في عالم الاقتصاد كان لنا لوبي يوصل كلامنا إلى مراكز القرارات، و كنا بين الفينة و الأخرى نحقق بعض النقاط، لكن اليوم علينا أن نجد سبيلا اقتصاديا يقربنا من تلك المراكز .... و حتى هذه اللحظة الجميع يدرك بأن الدولة الصحراوية لا تملك ما تطفئ به عطش الشعب الصحراوي، فكيف ستقنع "ترامب" و البقية... و كل ما نستطيعه نحن أيضا هو أن ننتقد الأخطاء التي يرتكبها حكام البيت الأصفر رغم أننا ندرك عجزهم و قلة حيلتهم..
كما يمنكم متابعتنا عبر صفحتنا على الفايسبوك